عندما علمت من Twitter أن J.K SIMMONS قد فاز بجائزة أوسكار فئة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فلم Whiplash الذي أحببته، قررت أن أدون عنه فوراً. فهو ايضاً كباقي الافلام التي تلامس عواطف عميقة فينا، وحتى بعد مشاهدته سيظل معنا لفترة طويلة. اهلا بكم في تدوينة احتفالية بفلم ويبلاش الذي استحق ان يترشح لجائزة الاوسكار.
تدور احداث الفلم حول طالب موسيقى وقائد اوركسترا في معهد شايفر الذي يعتبر احد افضل معاهد الموسيقى في الولايات المتحدة. وفي حين ان الطالب "اندرو نيمن" كان يريد ان يصبح عظيما في العزف على الطبول، كان قائد الاوركسترا "ترنس فليتشر" حريصا على انعاش موسيقى الجاز من احتضارها مهما كلفه الامر، حتى ولو اضطر الى انتهاج اكثر طرق التعليم تطرفاً، وهو ما سنتحدث عنه بعد قليل.
فلمنا هذا عن الشغف المحض، شغف قائد الاوركسترا بصقل مواهب عازفين عظماء حقا، وشغف عازف الطبول بأن يصبح احد العظماء حتماً.
قائد الاوركسترا ترنس فلتشر، بأداء الممثل جي كي سيمن
والعازف على الطبول اندرو نيمَن، بطولة مايلز تيلر
سنتحدث اولا عن أساليب التعليم لنقارنها بعد ذلك بأسلوب ترنس فليتشر الناجح على الرغم من تطرفه. ثم سنتحدث عن اندرو نيمن، الفتى المستعد للتخلي عن كل شيء -حتى عن حبيبته- من اجل ملاحقة حلمه والتركيز عليه.
لنبدأ..
أساليب التعليم المعروفة VS أسلوب ترنس فليتشر
هناك اسلوبين معتمدين للتعليم في كل مكان، الاول هو اسلوب التعليم التقليدي والثاني هو اسلوب التعليم بالترفيه. وبعد مشاهدة فلم وبلاش ستدرك تلقائياً ان هناك اسلوباً ثالثا نادراً ما يتّبعه البعض بسبب خطورته، ولكنه الاكثر فعالية على الاطلاق، ويعد ترنس فليتشر افضل من مارس هذا الاسلوب بهذه الطريقة المدهشة. لنستعرض هذه الأساليب:أسلوب التعليم التقليدي
وهو الأسلوب الذي تعلمنا انا وانت من خلاله في كل المدارس التي ذهبنا اليها، ونادرا ما نصادف معلما لا ينتهج هذا الاسلوب الذي هيمن على كل أنظمة التعليم حول العالم. يخضع هذا الأسلوب حتى يومنا هذا لنظريات عتيقة وضعها متخصصون عتيقون قضوا نحبه منذ زمن طويل، ونحن لا زلنا عالقين خلف قضبان نظرياتهم لاعتقادنا بانها النظريات الاكثر صحة ومعقولية للتعليم، ولكنها ليست كذلك.أسلوب التعليم التقليدي يجعل الطالب يختلق الاعذار باستمرار ليغيب عن المدرسة هربا من احد المعلمين التقليدين المملين او احدى المواد العصية على الاستيعاب.
يركز هذا الاسلوب على نظريات التعليم وعلى "المنهج" الذي يتم تعليمه، ولكنه لا يعير اي اهتمام بالشخص الذي يقدم هذا المنهج للطلبة، ومن هنا أتت تسمية هذا الاسلوب بالتقليدي.
أسلوب التعليم بالترفيه
في المقابل، يركز أسلوب التعليم بالترفيه في المقام الاول على زيادة الطاقة الحيوية في الشخص الذي يعرض المنهج الدراسي (المعلم) ليجعله متألقا بشرارات ساحرة ينقلها الى طلابه بطرق ملهمه ومسليه، هذا بالاضافة الى تمكين المعلم للاستفاده من خطط التعليم الحديثة كتكوين المجموعات في الفصل أثناء التدريس لجعل عملية التدريس عملية تشاركية بين جميع الاطراف.يركز أسلوب التعليم بالترفيه على الامتاع وعلى دفع الطلاب لادراك حريتهم في اختيار طريقهم في الحياة، وايضا يحثهم على الاستكشاف المستمر واستغلال اي فرصة للتعلم، على عكس أسلوب التعليم التقليدي الذي لا يساعد الطلاب على انتهاز فرص التعلم.
للمعرفة اكثر عن هذين الأسلوبين الفضفاضين ستجد الكثير من المعلومات عنهما في قوقل.
أسلوب ترنس فلتشر أو
أسلوب التعليم بالاستهزاء
أسلوب التعليم بالاستهزاء هو أسلوب رجلنا ترنس فليتشر الذي لن يجاملك حتى وان استحقيت ذلك، لاعتقاده بان المجاملة سوف تقتلك وحيدا بعد ان تختنق باغترارك بنفسك وبمجهودك الذي تراه عظيماً، والذي يراه فليتشر مجرد هراء لا يستحق ان يلتفت اليها اذا قورن بمجهودات العظماء من نفس المضمار.
يريد فليتشر ان ينتج عازفين عظماء، وليفعل ذلك قرر ان يختار افضل العازفين في معهد شايفر، ومن ثم الاعتناء بهم بطريقة عجيبة! لقد كان يلعنهم ويشتمهم طوال الوقت! اسلوبه يصعب شرحه، لكون الفلم أبدع في عرضه بأبلغ طريقة.
يريد فليتشر ان ينتج عازفين عظماء، وليفعل ذلك قرر ان يختار افضل العازفين في معهد شايفر، ومن ثم الاعتناء بهم بطريقة عجيبة! لقد كان يلعنهم ويشتمهم طوال الوقت! اسلوبه يصعب شرحه، لكون الفلم أبدع في عرضه بأبلغ طريقة.
نرى في الفلم ان فليتشر يستهزئ من كل عازف عمداً لكي يخرج أفضل ما عنده، وايضا نراه يضغط عليهم باستمرار ليدفعهم على كرهه لاعتقاده بانهم كلما كرهوه اكثر، التمزوا اكثر، وتطوروا اكثر. كان فليتشر تجسيدا لشخصية الشرير في هذا الفلم، فأغلب الافلام تحتوي على شخصية تجسد الشر و اخرى تجسد الخير كناية عن الصراع الازلي بين القوتين، واحيانا يكون الشر هو عبارة عن حالة ادمان لدى البطل او عبارة عن مشاعر تعلق بحبيبة سابقة او فشل سابق، المهم ان تكون هناك قوى شر لتقوم قوى الخير بالانتصار عليها، وسنرى كيف ان اندرو نيمن نجح في اثارة اعجاب فليتشر وهو الرجل الذي اعترف بانه لم يحظى باي عازف عظيم طوال مسيرة تعليمه.
لقد ادى اسلوب فليتشر المتطرف الى انتحار احد طلبته القدماء! وبعد هذه الحادثة قرر والد اندرو ان يسحب ابنه من المعهد خوفاً عليه من فليتشر، الا ان نيمن العبيط لم يتخلى عن حلمه بسهولة، فلقد اصبح حلمه كالجني الذي تلبسه وأفقده صوابه.
فليتشر هو اقرب الى المحفز منه الى المعلم، فهو لا يعلّم طلبته تقنيات جديدة في العزف، وانما فقط يضبطهم، ويدفعهم بحماسة شريرة الى اخراج افضل ما عندهم.
تابعو على حساب التنمية الترفيهية على انستقرام اقتباسات فيديو من فلم Whiplash لترنس فليتشر وهو يتحدث عن اسلوبه بطريقة بريئة ووديعة لا تلائم ملامحه الشريره ابدا.
DevelopTainment@
سأعرض لكم بعض الاقتباسات الرائعة في آخر هذه التدوينة.
DevelopTainment@
سأعرض لكم بعض الاقتباسات الرائعة في آخر هذه التدوينة.
أندرو نيمن يريد أن يصبح عظيماً
صرح أندرو نيمان لكل من يعرفه انه يريد ان يصبح عظيما في العزف على الطبول الى الدرجة التي تجعل الجميع يتحدث عنه بعد مماته! وليقوم بذلك قرر اخيرا الانفصال عن حبيبته في احدى اكثر المشاهد ايلاماً على الاطلاق:
فعلا هذا تصريح قاسي ومؤلم، لكنه يريك الى اي مستوى وصل نيمن في التزامه تجاه تحقيق حلمه. هذا البطل يرفض التمادي في علاقة عاطفية مع فتاة، حتى لا تعطله عن أداء المهمة المقدسة التي وهبها نفسه، وهي مهمة ان يصبح عظيماً. لا اعرف كيف اعلق على هذا المشهد، هل أنا معه ام ضده؟! أفضل ان لا اقول، كما انني لن اعلق على هذا المشهد الخرافي الاخر:
لقد تعمد نيمن اليافع ان يلتحق بمعهد شايفر الموسيقي لانه المعهد الافضل، ولانه يريد ان يكون العازف الافضل على الطبول.
لا اعلم كيف سأتحدث عن ذلك لكوني لست واثقا من ان القارئ سيفهم تماما ما اعنيه، لكنني سأفعل على اية حال.
اعجبتني هذه المسكة لأعواد التطبيل. اعيرو انتباهكم عليها عند مشاهدة الفلم، عازف الطبول يمسك خشبة العزف بخفة رائعة لكي لا يتعب. تذكرت هذه المسكة عندما كنت امسك بحقيبة ظهري بقوة أتعبتني عندما كنت احملها بكتف واحد، ثم قررت ان امسكها بخفة اكثر، وعلى الفور شعرت بان تعبي خف. قررت حينها ان امسك كل شي في حياتي بخفة اكثر.
عازف الطبول المجتهد سينجرح كثيرا اثناء تدريباته. لقد قرر نيمن ان يصبح عظيما وعليه ان يثبت ذلك من خلال التدريبات المكثفة في غرفته. مهلاً،،، هل أنا أتحدث عن التدرّب مرة أخرى كما أفعل في كل تدوينة؟؟؟ من يتذكر الاقتباس المصور من فلم الـ300 الذي يقول: كلما تدربت اكثر، نزفت اقل في المعركة.
لكل حرب اسلحتها ودروعها وخططها، وفي حروب العزف على الطبول، على العازف ان يتدرّع ببعض الاشرطة اللاصقة للجروح لكي لا تتورم انامله اثناء العزف الطويل. نرى في الفلم حربا ضروساً بين نيمن وفليتشر، ابدع المخرج داميان تشازل ذو الـ 31 عاما في تصويرها، وهو المخرج المتخصص في كتابة واخراج افلام موسيقية مميزة.
يقول الكاتب في الصفحة 45 من كتابه: "فالتذكر وفقا لأسلوب التملك تكون الروابط فيه ميكانيكية تماما، كأن تترسخ الصلة بين الكلمة والكلمة التالية لها على أساس التكرار. أو أن تكون الصلة منطقية خالصة، مثل الصلة بين الأضداد في اطار نظام فكري معين. أما التذكر بطريقة الكينونة فهو الاستعاده الحية للكلمات والأفكار والمناظر والرسوم واصوات الموسيقى. وروابط التذكر في هذا الاسلوب لا هي ميكانيكية ولا هي منطقية خالصة، وانما حية، حيث ترتبط فكرة بأخرى بفعل ذهني أو شعوري مثمر، تجري تعبئته عندما يبحث الانسان عن الكلمة او الحالة الشعورية المناسبة"
نرى في الفلم ان اندرو نيمن استطاع ان يصبح اساسيا في فرقة المعهد بسبب قوة ذاكرته التي استطاع ان يحفظ بمساعدتها نوتات موسيقى ويبلاش عن ظهر قلب. فالعازف الاساسي الاول لم يكن يحفظها كأندرو العظيم الذي تدرب عليها كثيرا، وفي الحقيقة اندرو استخدم كلا الاسلوبين في التذكر، ولكونه ذكرني برأي الكاتب ايريك فروم، آثرت ان اشارككم اياه بسبب عمقه.
وبشكل عام، يمتاز الحالمون بذاكرات حيوية وممتازة من غير ان يجتهدو كثيرا لأجل ذلك، واهم ما يتذكرونه باستمرار هو حلمهم الذي يرفضون نسيانه مهما كلفهم الامر. وان تكون متحولا يعني ان تتمسك بحلمك الذي يستحيل معه ان تعود كما كنت قبل اكتشافه.
نظرة على ذاكرة اندرو نيمن الممتازة
تحدث الكاتب الرائع ايريك فروم في كتابه "الانسان بين الجوهر والمظهر" عن اسلوبين في التذكر. الاول هو اسلوب التذكر وفق توجه التملك، والاخر هو اسلوب التذكر وفق توجه الكينونة.
يقول الكاتب في الصفحة 45 من كتابه: "فالتذكر وفقا لأسلوب التملك تكون الروابط فيه ميكانيكية تماما، كأن تترسخ الصلة بين الكلمة والكلمة التالية لها على أساس التكرار. أو أن تكون الصلة منطقية خالصة، مثل الصلة بين الأضداد في اطار نظام فكري معين. أما التذكر بطريقة الكينونة فهو الاستعاده الحية للكلمات والأفكار والمناظر والرسوم واصوات الموسيقى. وروابط التذكر في هذا الاسلوب لا هي ميكانيكية ولا هي منطقية خالصة، وانما حية، حيث ترتبط فكرة بأخرى بفعل ذهني أو شعوري مثمر، تجري تعبئته عندما يبحث الانسان عن الكلمة او الحالة الشعورية المناسبة"
نرى في الفلم ان اندرو نيمن استطاع ان يصبح اساسيا في فرقة المعهد بسبب قوة ذاكرته التي استطاع ان يحفظ بمساعدتها نوتات موسيقى ويبلاش عن ظهر قلب. فالعازف الاساسي الاول لم يكن يحفظها كأندرو العظيم الذي تدرب عليها كثيرا، وفي الحقيقة اندرو استخدم كلا الاسلوبين في التذكر، ولكونه ذكرني برأي الكاتب ايريك فروم، آثرت ان اشارككم اياه بسبب عمقه.
وبشكل عام، يمتاز الحالمون بذاكرات حيوية وممتازة من غير ان يجتهدو كثيرا لأجل ذلك، واهم ما يتذكرونه باستمرار هو حلمهم الذي يرفضون نسيانه مهما كلفهم الامر. وان تكون متحولا يعني ان تتمسك بحلمك الذي يستحيل معه ان تعود كما كنت قبل اكتشافه.
اذاً، هذا فلم كباقي افلامي المفضلة، يستحق المشاهدة بتأمل وهدوء. انه ككنز مدفون وسط الكم الهائل من الافلام العادية التي هدفها التسلية ليس اكثر. اما فلمنا هذا فهدفه ليس التسلية فقط، وانما أكثر.
الفكرة الأساسية للفيلم تكمن في فكرة تحقيق “العظمة”، أي بلوغ مستوى من المهارة الفنية لا يتوفر سوى للعظماء، وتحديدا في مجال ضبط إيقاعات موسيقى “الجاز” التي هي أساس فيلمنا هذا (وعنوان الفيلم مستمدّ من اسم مقطوعة شهيرة من موسيقى الجاز). بعد مشاهدة هذا الفلم ستفكر ملياً في اهدافك، وستعلم -للمرة الاخيرة- مالذي يستلزمه تحقيقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا تعليقك