فن النجاة قصة لا تنتهي حقا، فدائما هناك ناجون، ودائما هذا يبعث فينا الامل. سنتحدث اليوم عن فلم الاحتيال الامريكي، وهو احد الافلام التسع التي رشحت لجائزة الاوسكار لعام 2013 .
تدور احداث هذا الفلم عن زوجين ومباحث فدرالي، يتعاونو مع بعضهم في ظل ظروف معقدة ليطيحو ببعض تجار المخدرات والفاسدين في المجتمع. وسنقوم بالنظر في بعض اقتباسات هذا الفلم من زاويتنا الخاصة.
الناس يصدقون ما يودون تصديقه
ان جميع اقتباسات هذا الفلم مثيرة جدا ويسهل اعادة النظر فيها من زوايا كثيرة، فعبارة الناس يصدقون ما يودون تصديقه تشير الى مشكلتنا الكبيرة في التبرمج على ما قام احدهم ببرمجتنا عليه.
يعيش كثيرون منا اليوم وهم يعتقدون انهم احرار في اختيارهم لافكارهم وتمسكهم بها، وهذا صحيح الى حد ما، ولكننا غافلون عن الكم الهائل من المؤثرات التي ساهمت في بناء نظمنا الفكرية التي تقود حياتنا. وهذه النظم الفكرية هي ما نقوم بعيش حياتنا بواسطتها ونقرر قراراتنا بمساعدتها. وفي النهاية، وتحت ظل هذا الظرف المعقد من عملية تكون نظامنا الفكري، نقوم بتصديق كل ما يتوافق معه ورفض كل ما لا يتوافق معه معتقدين بذلك اننا بشر حياديون، وهذا خاطئ جدا.
من اكثر الاقتباسات التي اعجبتني والتي تؤكد على ان الناس يصدقون ما يودون تصديقه هي عبارة سمعتها من الدكتور الهندي الاصل د.ديباك تشوبرا في مناظر له مع د.ريتشارد دوكنز، وهي:
عندما يستسلم الناس للتأثير السحري للافكار التي تكيفو معها، فهم سيصدقو ما يودون تصديقه ان كان مرتبطا بتكيفاتهم. لن يصدقو غير ذلك. انا وانت لا نصدق الا ما يتوافق مع نظامنا الفكري، وهذه انفسنا تخدعنا من غير ان نعلم، ولكن تبا لذلك.
لا تقبل بصفقة لا يمكنك اغلاقها
فلنتصرف بكلمة صفقة ولنغيرها الى كلمة اخرى تهمنا، هي "حلم". ما رأيك؟ الن يكون تغيرا جيدا جدا؟!
كثيرون منا يحلمون بأن يحققو احلاما عصية عليهم، وبعض الناس جعلو من كلمة حلم كلمة اسطورية مستحيلة، وبمجرد ان تنطق فهي تعني شيئا مستحيلا وشاعريا نتخيل انفسنا به مرارا وتكراراً ولكن لا مناص لتحقيقه.
هذه العبارة من هذا الفلم اعجبتني جدا، فأنا أعمل أحيانا كمصور خاص، وتأتيني كل فترة بعض العروض الرائعة التي اوافق عليها، وفي مرة من المرات وافقت على عرض اتضح انه سيئ جدا، وللاسف لم يكن في وسعي ان انسحب من هذه المهمة بعد ان بدأت فيها، لكوني تفاجأت من الحضور الذي لم يرق لي، والترتيبات السيئة التي لا تساعد ابدا على التقاط صور معبره عن تلك الفعالية التي شاركت فيها كمصور بطلب احد الاصدقاء. وهذا علمني درسا مهما في حياتي، وهو ان ادرس الصفقات قبل ان اوافق عليها، وان اسال عن جميع التفاصيل التي تساعدني لاتم عملي كما احب اتمه.
تأملت في هذه العبارة من الفلم ورأيت كيف ان ارواح رجال الاعمال ارواح مغوارة، لا تفبل بصفقات صغيرة او غير واضحة، هي ارواح تريد ان تبدأ الصفقه ولا تتوقف الى ان تنهيها على اكمل وجه. هذه لعبتهم التي يتقنها اكثرهم خبرة: البدء، ومن ثم الاستمرار حتى النهاية مهما كلف الامر.
ان كنت تملك حلما حقيقيا فأعتقد أن هذه العبارة ستشدك من غير ان تقرأ اي تعليق عليها، فحلمك من المفترض ان يكون أهم صفقة عندك، ان بدأت في رحلة تحقيقه فعليك ان تواصل القفز من فوق جميع العقبات في طريقك الى ان تصل الى خط النهاية. هذا هو التحول الذي نتحدث عنه، هذه هي الروح التي نحاول ان نستحثها داخل كل متابع لهذه المدونة.
نحن نحلم، ولا نستسلم لليأس أبداً
نرى في عالمنا اليوم الكثير من الظواهر التي تدعونا لليأس وانعدام الحيلة. هناك الكثير الكثير من الاحداث المأساوية التي تكدست بها نفسياتنا وعقولنا الى ان اصبحنا لا نرغب بأي شيء، أصبحنا لا نؤمن لا بالمعجزات ولا بالحب ولا نؤمن بالايمان نفسه. نحن حرفيا كمن تسمم وهو يعلم ان هناك ترياقا سيبرؤه من سقمه، ولكنه لا يعلم ما هو بالضبط!
الاصرار هو ترياقنا، وضع الخطط ثم تنفيذها والاصرار على النجاح فيها. الاصرار والمثابرة من الكلمات التي تعلمناها منذ طفولتنا، وهي الاسلوب الذي اتبعناه لننجح في خطو اولى خطواتنا على هذه الارض. المثابرة من اجمل الكلمات التي أثرت فيّ مؤخرا من كتب علم الايزوتيريك، فقد نجح الكاتب ج م ب في توظيف هذه الكلمة ضمن عبارات تحليلية رائعة للنفس البشرية وخفاياها. وهذه العبارة موجودة بوفرة في كل مكان، فلتصغي لها جيدا كلما سمعتها، قد تكون رسالة شخصية لك! من يدري!
في النهاية المقدر هو ما سيحدث
في عالم الاعمال، يُفهم القدر بطريقة مختلفة عن ما يفهمه الاخرون، فالقدر هو نتيجة افعالك انت، هذا بالاستناد الى قانون السبب والنتيجة، اما بالاستناد الى قانون "لتكن مشيئتك" فماهو مقدر سوف يحدث ايضا، وفي كل الاحوال ستكون انت من أثر على هذا القدر الذي حدث او يحدث او سوف يحدث مستقبلا، فليس هناك قدر يهيمن على الناس ويفرض عليهم ما لا يشاؤونه لانفسهم، رغما عنهم.
ليس هناك انسان سوف يلعن الى الابد، وليس هناك انسان مقدر عليه ان يظل فقيرا الى الابد حتى وان اخذ باسباب الغنا والازدهار الشخصي. علمتني هذه العبارة من هذا الفلم ان الله فعلا يعمل بطرق غامضة.
مرة أخرى، لا تستسلم لليأس
اخبرتك ان اقتباسات هذا الفلم جميلة ويسهل النظر اليها من زوايا مختلفة. في هذه اللوحة يتضح لنا كيف ان المرأة حزينة جدا ولاتصدق انها لم تصل حتى الان الى المستقبل الذي تصورته لنفسها. يبدو انها من من كانو يفهمون القدر وكأنه شيئ لا نستطيع ان نتحكم فيه، وهي محقة في ذلك ان كانت تقصد القدر الذي يقع، وليس الذي يصنع! نحن نتحدث عن القدر الذي يصنع بأفعالنا، عن المستقبل الذي نخطو اليه بخطوات ثابته من خلال اعمالنا وايماننا بامكانية وصولنا اليه. لا تيأس ان تأخرت، فأن تصل متأخرا خيرا من ان لا تصل ابدا.
نخدع أنفسنا، لكي نستمر في الحياة ...
مهما فعلنا فسنظل مخدوعين، ولاحرج في ذلك. فأولئك الذين أدمنو القراءة في ترجمات مكتبة جرير يعتقدون انهم توصلو الى ارقى الافكار التي انتجتها حضارة اليوم، وهذا خطأ فادح ارتكبوه في حق انفسهم. كتب جرير هي اكثر الكتب مبيعا، وليست اكثر الافكار رقياً، فأغلب هذه الكتب تروج لموضوع واحد بطرق مختلفة هو "النجاح".
نخدع انفسنا ان اعتقدنا ان النجاح هو الغرض من حياتنا، او انه هو من يعطي لحياتنا معنى، لكون النجاح من المواقف التي تجعلنا نستمر في الحياة، وكثيرة هي الاشياء التي تجعلنا نستمر في الحياة، والفشل ليس احداها، والمعارك الطبيعية التي سميت بمعارك البقاء للاقوى هي خير دليل على صحة ذلك. لكن الفشل ضروري احيانا لاكتساب الخبرة! النجاحات المتواصلة لا تنتج شخصا ناضجا البتة، والفشل ليس حدثا سيئا الى ذلك الحد التراجيدي الذي نتصوره به.
لقد حاصرنا ارقى الافكار مع اكثرها مبيعا لنرى ايهما يبقينا على قيد الحياة، وبما ان اكثرها مبيعا تؤكد لنا نجاحها، فإن أكثرها عمقا ليست أقل من ذلك طبعا. وامر حسم هذه المعركة عائد اليكم.
اخرج وواجه الواقع
تعتقد ان افكار كتب جرير هي ما علينا ان نعيش وفقها؟ اذا، خذها، ثم اخرج وواجه الواقع. ربما ستنجح بها، وربما لا. هذا يعتمد على وضوح رغبتك ونوع اسئلتك الوجودية! هل هي عن النجاح والنجاح والنجاح؟ ام عن فهم طبيعة النجاح والصراعات المحمومة في سبيل تحقيق النجاح؟ ما اريد ان اقوله منذ سطور ماضية هو ان كتب جرير لا تنتج مثقفين على الاطلاق، وانما جوقة من المتثاقفين المخدوعين المدمنين على نوع مخدر من الكتب. هل ترى اننا نقسو عليهم؟ حسنا، فلنخفف حدة تحليلنا لهم. كتب مكتبة جرير رائعة وتنتج مطلعين جيدين على الثقافة الامريكية في مجالات كالاقتصاد وعلم النفس والاجتماع والتربية، لكن اغلبها سطحي جدا لعدم عمقها ولفقر تجارب كتّابها في ميادين الحياة المتنوعة. وانا اقول ذلك بعد ان وصلت الى حد لم تعد فيه كتب جرير ترضيني حقا، فهي ليست فلسفية وليست فكرية بالنسبة لي، والفلسفة والفكر هي من احتياجاتي العميقة حاليا.
هذا ليس تحليلا لكتب مكتبة جرير، وانما هي محاولة لتوضيح ان الواقع لا محدود بأي مكتبة او اي توجه فكري، على الاقل هذا ما اعتقده.
حديثنا عن الاحلام وتحليلنا للاقتباسات الجميلة ليس واقعيا في بعض اجزائه، لكون التحفيز في تعليقاتي يغلب على العمق فيها وانا اعترف بذلك، واعترف ايضا بانني اسعى للوصول الى العمق بكتابتي لافكاري وبث تساؤلاتي فيها وعرض طريقة استغلالي لعبارات الافلام التي انغمس في مشاهدتها باستمتاع وتأثر لانظير له.
بعد ان تقرأ احدى مقالات هذه المدونة، اخرج وواجه الواقع، هل هناك حالمين حققو احلامهم؟ هل هناك مفكرين اقامو اعراسا زوجو فيها اسئلتهم بالاجوبة التي تناسبها؟!
أؤمن بأن حلمي يريدني :)
هذه طرفة اتمنى ان تروق لك.
عندما اعدت قراءة اقتباسات هذا الفلم استوقفتني هذه الصورة وقرأتها بهذه الطريقة: أريد أن أؤمن بأن حلمي هناك يريدني، وانا اريده ايضا، فهذا ليس حبا من طرف واحد يا بهلول.
عندما قالولي لي مستحيل، أردته أكثر
هناك مثل دارج في ثقافتنا يقول: كل ممنوع مرغوب. ولكن مهلا، لماذا ليس كل مستحيل مرغوب! لماذا كل مستحيل محبط ومثبط للهمم! مالفرق بين لا، ومستحيل! في حين انهما يأتيان في احيان كثيرة مسلسلين بحلقة خفية يصعب كسرها!
الشيئ الاكثر جنونا في البشر هو انهم متناقضين وغير معقولين! البشر يصعب فهمهم، كصعوبة فهم كيفية نجاح البقرة في الحج على قرونها! لماذا كلما اكثرت من قول لا تثير شهية الناس، وعندما تكثر من قول مستحيل تثبط هممهم.؟!
اذا، بعد ان رأينا كيف ان لا هي من مرادفات كلمة مستحيل، ورأينا انه كلما اكثرنا من قول لا عن شيئ ما كلما اراده الناس اكثر، اصبح هذا يقتضي -وانا هنا أتحدث بمنطقية وكأنني أفلاطون ذاته خصوصا بعد استخدامي لكلمة يقتضي- ان تجعلك كلمة مستحيل تتمسك بحلمك اكثر. أرجو ذلك.
اهتم بروحك
هذه الوصية هي ما سنختم بها تحليلنا لبعض اقتباسات هذا الفلم الرائع والذي احثك لمتابعته ايضا، والنظر اليه من زواياك الخاصة، ومشاركتك لنا بتعليقاتك ولفتاتك التي اثارة انتباهك في هذا الفلم، او اي فلم اخر.
ملخص اقتباسات الفلم
- الناس يصدقون ما يودون تصديقه. صدق ما تريد. ولتجعل ضمن ما تريد تصديقه: أنا أستطيع أن أحقق حلمي.
- لا تقبل بصفقة لايمكنك اغلاقها. ولا تباشر تنفيذ مهمة لايمكنك النجاح فيها، فأنت شخص مركز، وأكبر من تهدر طاقتك هنا وهناك.
- احلم ولا تستسلم لليأس أبدا. هذه من اكثر الرسائل انتشارا على وجه الارض، ومن اكثرها اثارها. فأحيانا، الانتشار واسع النطاق لمقولة ما هو دليل على أهميتها.
- في النهاية، المقدر هو ما سيحدث. والمقدر الذي يُصنع هو ما تستطيع ان تتحكم فيه بأفعالك أكثر من المقدر الذي يقع.
- مره أخرى، لا تستسلم لليأس. ستشعر مرارا وتكرار برغبة قوية للاستسلام، ان كان ولابد من الانغماس فيها، فافعل، ولكن افعلها مؤقتا لكي لا نفقد انسانا عزيزا علينا :)
- نخدع أنفسنا لكي نستمر في الحياة. هذه حقيقة جلية اثابك الله، والحقائق الجلية كثيرة.
- هيا اخرج وواجه الواقع. واهتم اكثر بالانخراط في نشاطات تفيدك في واقعك اكثر من غيرها. اهتم باختيار كتب ومشاهدة افلام تساعدك على اكتشاف واقع الحياة فعلا.
- آمن بأن حلمك يريدك، واجعل طريقة مغازلتك له بأن تقربه منك أكثر، بأفعالك، بمثابرتك واصرارك، وشغفك الملتهب.
- عندما يقولو لك مستحيل، اعتبر انهم قالو لك لا. فلترده اكثر، ولتثبت لهم بنجاحك انك مفاجئ، كالحياة نفسها.
- اخيرا، اهتم بروحك. مع تحيات ابو الخوارق، صديقك .
مدونة التحول للتنمية الترفيهية
حيث التصاق المتعة بالفائدة كالتوأم السيامي
